السيد الصرخي: المرجعية الشيعية المعتدلة في العراق


تتميز غالبية مواقف الصرخي بالوطنية لأنها تتجاوز الانقسامات الطائفية، وتدعو إلى حقن دماء العراقيين، وتحذر من تضييق الخناق على المكوِّن السني.
العرب عدنان حسين أحمد [نُشر في 05/07/2014، العدد: 9610، ص(9)]
تتصاعد، يوما إثر يوم، أصوات المرجعيات الشيعية المعتدلة التي يحاول نوري المالكي قمعها وإسكاتها ومصادرتها، مُتوهِما أن سياسة القبضة الحديدية هي الحل لتركيع العراقيين وإجبارهم على القبول بسياسة الأمر الواقع رغم ما ينطوي عليه هذا الواقع من تهميش وإقصاء واضحين للمكوِّن السني في العراق، واستياء الكُرد من هيمنة المالكي ونهجه الاستبدادي، الذي انتقده الشيعة قبل أن تنتقده بقية المكونات الأخرى في النسيج العراقي المتناغم منذ فجر الحضارات البشرية التي انبثقت في بلاد ما بين النهرين.
ربما يفتقر العراق في العصر الحديث إلى ما يمكن تسميته بـ”المصدّات المطاطية المرنة” التي يمكن أن تخفف وطأة الأحزاب الدينية المتشددة، الشيعية منها والسُنية. غير أن هذه المصدات المرنة لم تغب كليا عن المشهد السياسي العراقي، حتى وإن تمثلت بآراء عديد رجال الدين والمثقفين العراقيين الذين لا ينتمون إلى حلقة “وعّاظ السلاطين”. هذه الطبقة الوطنية المثقفة التي تضع مصلحة البلاد فوق المصالح الشخصية والحزبية والمذهبية، هي التي يمكنها أن تخفف من وقع الصدمات التي يُخشى منها أن تُفكِّك العراق.
يُشكِّل المرجع الديني الشيعي محمود الصرخي الحسني أنموذجا للمرجعية الرشيدة المعتدلة، أو المصدّ المطاطي المرن الذي أشرنا إليه سلفا، فهو ينظر إلى الأحداث الجسام نظرة واقعية، ويسمّي الأشياء بمسمياتها بعيدا عن المبالغة والغلوّ والإيهام. فقد قال في معرض حديثه عن انهيار الفرق العسكرية في نينوى وصلاح الدين وتلاشيها في لمح البصر بأنها “فتنة” كان يتوقعها منذ أعوام، وألقى باللائمة على الحكومة العراقية التي خلقت الأسباب والمبررات للمحتجين الذين كانوا يطالبون بحقوق طبيعية مشروعة لم يُستجَب لها بعد مرور أكثر من نصف عام حيث تساءل قائلا: “ما الذي يفعله المواطن إذا فَقَدَ الكرامة والعيال والمال والموطن غير أن يخرج ضدّ الدولة؟”. وضع السيد الصرخي هذا السؤال المُغيّب والمُحتجب والمسكوت عنه أمام حُكماء العراق وعقلائه، وتساءل عن الإجراء الذي يجب أن يُتخذ ضدّ أناس باتوا يتعرضون للقتل والتشريد، ويفتقرون إلى الحد الأدنى من مقوِّمات العيش الكريم.
ربما تكون الإشارة الأقوى التي وردت في حديث الصرخي بأن الطرفين لديهم عشائر ومذاهب ورموز، لكن الطرف الآخر، أي السُنة الذين وُضِعوا في زاوية حرجة لا يُحسدون عليها، “لديهم من الإصرار أضعاف ما نمتلكه نحن من إصرار”. وهي إشارة صريحة إلى أن إصرار المظلوم أقوى دائما من إصرار الظالم. أما الحل الذي طالبَ به فهو “رحيل كل الوجوه السياسية التي تصارعت بعد الاحتلال على الغنيمة والسرقة، واستخفت بالعراقيين وبأموالهم وبمقدساتهم”. فالعراق، من وجهة نظره، يعجّ بأناس فيهم الكثير من الخير لهم ولأبناء شعبهم.
تتميز غالبية مواقف الصرخي بالوطنية لأنها تتجاوز الانقسامات الطائفية، وتدعو إلى حقن دماء العراقيين جميعا، وتحذِّر على الدوام من تضييق الخناق على المكوِّن السُني الذي تعايش معهم على مرّ العصور.
ثمة مواقف عقلانية معتدلة أخرى لا بدّ من الوقوف عندها لعل أبرزها مساندته الواضحة للشعب السوري ضدّ نظام بشار الأسد الطائفي الذي يفتك بالشعب السوري، خلافا للكثير من المراجع الشيعية التي آزرته لأسباب طائفية، أو تعاطفت معه في أقل تقدير. كما أنه يدعو إلى ترسيخ مرجعية شيعية عربية تساهم في التقريب بين السُنة والشيعة ولا تعمّق بعض الخلافات السطحية التي يمكن تفاديها بين الطرفين. كما أن السيد الصرخي لا يقرّ بوجود القوى الأجنبية في العراق فقد قاتل قوات الاحتلال الأميركية، ورفض تواجد أيّة قوة أجنبية بحجة حماية العتبات المقدسة أو المراقد الدينية المحمية منذ أكثر من 14 قرنا.
وربما يكون موقف الصرخي المعارض لفتوى “الجهاد الكفائي” التي أطلقها علي السيستاني هو الذي ألّب بعض الناس عليه، وخصوصا حكومة المالكي التي استثمرت هذه الفتوى لمآربها الحزبية، ونسيت أو تناست، بأن السبب وراء الوضع المأزوم الذي يعيشه العراق هو فشلها في كل الملفات الأمنية والاقتصادية والسياسية.
إن هذه المواقف الوطنية مجتمعة هي التي وضعت الصرخي وأتباعه في مواجهة حكومة المالكي التي تريد أن تكمم أفواه الجميع، فلا غرابة أن يتململ الجنوب العراقي، ولعل أول تمظهرات هذا التململ هو اندلاع الاشتباكات بين أنصار السيد الصرخي والقوات الأمنية في مدينتي كربلاء والديوانية وغيرها من المحافظات وسط وجنوب العراق.
والجدير بذكره أن القوات الأميركية قد حاولت غير مرة القبض على الصرخي لأنه قاوم الاحتلال وقتل عددا من الجنود الأميركيين عام 2004. وفي الختام لابدّ من الإشارة إلى أن الصرخي قد تخرج من كلية الهندسة، القسم المدني، جامعة بغداد عام 1987. كما درس في الحوزة العلمية في النجف عام 1994، وحاز على لقب آية الله العظمى، وهو من أبرز العلماء الشيعة المعتدلين الذين يدْعون إلى تعايش المكوِّنات العراقية وتناغمها في عراق واحد موحّد لا تنخره الطائفية، ولا تمزقه الفتنة المقيتة التي يروّج لها خفافيش الظلام.
كاتب عراقي
منقول
http://www.alarabonline.org/?id=27063#


    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيس بوك

2 التعليقات:

  1. اللهم انصر السيد الحسني لانه يمثل الحق واهل الحق بكل طوائفه

    ردحذف
  2. قال رسول الله صلى الله عليه واله((ان الاسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء))

    ردحذف